الثلاثاء، 2 فبراير 2016

سامحنى, أنا العمياء قصص مسيحية

ذهبت أنا وأبي وأمي إلي المصيف وبينما كان أبي يقود سيارته إذ بمقطورة كبيرة تصطدم بالسيارة ولم أدر بعدها بشيء ... ولكني أفقت وأنا أتساءل لماذا انقطع التيار الكهربائي؟
أما توجد شمعة؟
أخبرتني الممرضة أن عيناي أصبحتا ضعيفتان ولكن الحقيقة المرعبة أنني أصبحت أعمى !!! الظلام يحوطني من كل جانب .
صرخت بفزع أين أمي؟
أخبروني بلطف إنها بقسم آخر بالمستشفي لأنها أصيبت بشلل شعرت أن الظلام الذي يحوطني أصبح دامسا حالكا وكأني أمسكه بيدي.
وفي الصباح زارني أبي بالمستشفى وليته ما زارني , فقد كانت الصاعقة الثالثة ... إذ إنه أخبرني برقة مصطنعة ما معناه أنى أصبحت شخصا عاجزا محتاجا لمن يخدمه و أن أمي مشلولة ولذا فإنه سيودعني مركز المكفوفين . وقبل أن أفيق من صدمتي كان قد تركني.
ما هذا ؟
بالتأكيد إنه حلم أو كابوس!! 
منذ أيام كنت الابن المدلل لأبي وأمي والآن في بيت المكفوفين.
 لا ... لا بد أن أبى سيأتي غدا ويأخذني في حضنه إلى بيتي وإذا بصوت أمي تبكي بحرقة وهي تودعني ، عرفتها من صوتها الحنون وحضنها الدافئ، لا تخف يا حبيبي هترجع بيتك ويسوع هينور عينيك وقلبك ، ظللت أبكي حتى وصلت بيت المكفوفين ، واستقبلتني المشرفة بترحاب إلا أني لم أتكلم و لم أكل لمدة يومين.
وفي يوم جاءتني المشرفة وتحدثت معي حديثا لا أنساه قالت لي ربنا قال : "لا يدعكم تجربون فوق ما تستطيعون أن تحتملوا" فلا بد إنك إنسان قوي وأنا لا أريدك أن تخدم نفسك فقط بل أنك تخدم الآخرين وتتفوق في دراستك فأنت إنسان ذكي وعندك حب للآخرين لا تضيع وقتك فعليك رسالة.
كان لكلماتها أثر السحر في نفسي وأخذت أردد أنا لست عاجزا "أستطيع كل شيء في المسيح الذي يقويني"
مرت السنوات و تفوقت في دراستي وساعدت كل كفيف بالمركز أن يستثمر مواهبه، وعندما زارني والدي في أول عيد رفضت مقابلته ولكن عندما دخلت محبة الله قلبي ، طيبت جروحي ومسحت دموعي وأصبحت إنسانا قويا.
لكن القصة لم تنته ، فقد اضطر المركز أن يطلب من والدي أن يضمني إلى بيته بعد أن أكمل رسالته معي ولكن المشكلة أن أمي كانت قد ماتت وأبي تزوج و أنجب ولدا وبنتا وشعرت مرة أخرى أني شخص غير مرغوب فيه وعاملتني زوجة أبي بقسوة شديدة ، فكانت تتعمد أن تكرر كلمة الأعمى كثيرا في حديثها معي أو عني ، ولكن كل هذا لم يشغلني لأن الله ملأ قلبي بمحبة الجميع ، لكني شعرت أن أخي الأصغر يسير في طريق الهلاك بسبب رفقاء السوء، حاولت أن ألفت نظر والدي وزوجته فشتمتني واتهمتني بالحقد أنا الأعمى.
وفي أحد الأيام لم يرجع أخي للمنزل حتى الصباح وظلت أمه تبكي و تولول فاتصلت بأحد زملائي بالمركز وكان يبصر قليلا وخرجنا نبحث عنه عند كل أصدقائه حتى وجدناه في حالة غير طبيعية فحملناه بصعوبة بالغة إلى المنزل، وما أن رأتني زوجة أبي حتى ضمتني إليها وهي تبكي وتقول سامحني يا ابني ...أنا العمياء وأنت البصير لقد أنار الله قلبك ... سامحني ...
يشرق في الظلمة نورك ويكون ظلامك الدامس مثل الظهر ويقودك الرب على الدوام ( إشعياء 10:58)

قصه الصبى الذكى

استخدم بستانيّ بعض الاولاد ليقطفوا ثمر الكريز من حديقته، وقال لأحدهم:" إن جمعت الفاكهة دون ان تأكل منها فسوف أعطيك ملء اليدين في نهاية اليوم مع أجرِتك".
وأتى المساء وتقدّم الصغير نحو البستاني الذي سلّمه أجرته وطلب منه المزارع أن يملأ يديه من الكريز ويمضي. فقال الصبي "هلاّ أعطيتني ملء يديك انت، يا سيدي".
فهو أراد أن يملأ سيده يديه الكبيرتين بدلاً من يديه، ففي هذا عطاء أوفر. هكذا لنطلب من الله ان يعطينا حسب غناه في المجد وليس بحسب عقولنا.

فيلم يسوع : فيلم رائع يحكي قصة يسوع فى ساعتين

فيلم يسوع  arabic jesus film picture photo

السيد المسيح

St-Takla.org           Image: Jesus son of God by Del Parson صورة: المسيح ضابط الكل رسم الفنان ديل بارسون

اقرا بامعان جاوب باتقان

    •  بموجب تلقين القلوب المتكبرة المتعلقة بالعالم
    •  بموجب تلقين القلوب المنسحقة والمتواضعة
    •  انه مخلص من الخطية
    •  انه ملك عظيم يجب أن يخضع جميع الأمم لسلطان الأسد الخارج من سبط يهوذا
    •  كان سيرفضهم
    •  كان سيجعلهم سفراءه بين الناس
    •  الخوف من الشعب
    •  إيمانهم به
    •  كعبيد يهوشوه
    •  كأفراد عائلة يهوشوه
    •  نعم
    •  لا
    •  جماعة يمكنه أن يربيهم ويدربهم على عمله العظيم
    •  جماعة هالكة ولا أمل في إصلاحها
    •  قضى الليل كله في الصلاة لأجل نفسه
    •  قضى الليل كله في الصلاة لأجل هؤلاء الذين اصطفاهم
    •  صلب يهوشوه
    •  المجد العتيد
    •  بالرجاء المستكبر في أنّ إسرائيل كان مزمعاً أن يُكرّم ويتمجد أمام الأمم كمختار السيد
    •  بالرجاء في خلاص العالم من عبودية الخطية

الموعظة على الجبل

إنّ الموعظة على الجبل هي البركة الممنوحة من السماء إلى العالم-- هي صوت خارج من عرش يهوه. لقد أعطيت للجنس البشري لكي تكون لهم بمثابة شريعة الواجب ونور السماء، لتكون لهم رجاء وعزاء في وقت اليأس والضيق، ولتكون فرحهم وراحتهم في جميع تقلبات نواحي الحياة المختلفة. هنا نجد أن رئيس المعلمين، المعلم الأعظم، ينطق بالكلمات التي أعطاه أياه الآب لكي يخبرنا بها. أن التطوبيات هي تحية المسيح، ليس فقط لمن يؤمنون، ولكن لجميع الأسرة البشرية. فقد يبدو أنه قد نسي لبعض اللحظات أنه في العالم، وليس في السماء؛ فهو يستخدم التحية المألوفة في عالم النور. أن البركات تنساب من بين شفتيه كتيار جارف مليء بالحياة قد تم حجبه لفترة طويلة. لم يتركنا المخلص في شك بخصوص نوعية الخلق الذي سيظل دائما يعترف به ويباركه. فالمسرات التي يطمح العالم نحوها، يدعونا المخلص إلى رفضها، وينطق بالبركة على كل من يقبل نوره وحياته. فللمساكين في الروح، والودعاء، والمتواضعين، والحزانى، والمنبوذون، والمضطهدون، هو يفتح ذراعيه كملجأ لهم، ويقول، "تعالوا إلي،...وأنا أريحكم". أن المسيح ينظر إلى شقاء العالم غير آسف على خلقه للإنسان. فهو يرى في القلب البشري شيء أكثر من الخطية وأكثر من البؤس. ففي حكمته ومحبته الغير محدودة يرى في الإنسان إمكانيات وعلو يمكنه البلوغ إليه. فهو يعلم أنه، بالرغم من كون البشر قد انتهكوا مراحمه ودمروا كرامتهم المعطاة لهم من يهوه، فمع ذلك يستطيع الخالق أن يتمجد عن طريق فدائهم. في جميع الأوقات ستظل كلمات المسيح التي نطق بها من على جبل التطويبات تحتفظ بقوتها. أن كل جملة هي بمثابة جوهرة من بيت كنوز الحق. أن المبادىء المتضمنة في الموعظة على الجبل تصلح لكل الأعمار ولجميع فئات البشر. فبقوة إلهية، شرح المسيح إيمانه ورجاءُه عندما أشار لفئة بعد الأخرى كمباركين بسبب صوغهم لصفات باره. إذ نعيش حياة واهب الحياة، بالإيمان به، يستطيع كل واحد أن يصل إلى القياس المطلوب في كلماته. أ.ج. هوايت.

كلمات ترنيمة أبانا في السموات تقدس اسمك الأرفع

1-
أبانا في السمواتِ
وملكوتٌ لك يأتي

تقدسَ اسمكَ الأرفعْ
وما شئتَ يكنْ أجمعْ
2-
وأعطِ خبزنا اليومي
كما نحن لمن أخطأ

كفافًا واغفر الإثما
إلينا نغفر الجرما
3-
ولا تدخلْ لنا نفسًا
ولكن نجنا دومًا

بتجريبٍ فيفنينا
من الشرير مطغينا
4-
لأن الملكَ والقوا
من الآنَ إلى الدهر

ت والمجد لبارينا
ودهرِ الدهرِ آمينًا

الاثنين، 1 فبراير 2016

قيامة المسيح

ولما تمموا كل ما كُتب عنه، أنزلوه عن الخشبة ووضعوه في قبرٍ. ولكن الله أقامه من الأموات ( أع 13: 29 ،30)
إن قيامة المسيح من بين الأموات حقيقة جوهرية في المسيحية، إذا أُنكرت ذهب الإيمان كله وبطُل من أساسه. وبدون قيامة المسيح تتجرد المسيحية من كل امتيازاتها وبركاتها. فالإيمان المسيحي يقود النفس ليس إلى أسفل صليب فارغ خالٍ، ولكنه يقودني إلى قدمي المخلص المُقام والمرتفع. إن المسيح ليس على الصليب الآن وليس هو في القبر. أين هو؟ إنه مُقام، هو مخلصي المُقام والمنتصر على الموت والقبر.

وإننا لا نستغرب ما أحدثه الشيطان من ضجة في سفر الأعمال (ص4) عندما بشّر الرسل وعلَّموا الناس الحق، لأنهم بماذا بشّروا؟ "في يسوع بالقيامة من الأموات" ( أع 4: 2 ). فلو كانوا قد بشروا بيسوع كمَنْ عاش على الأرض فقط، لمَا اهتم الشيطان بالأمر لأنه مات، ولكن الرسل نادوا بأن الله قد أقامه من الأموات. لقد واجه الموت، ولم يكن للموت عليه حق، وأباده، وهو الآن حي مُقام من الأموات بالبر عن يمين الله، وهو الحياة والبر والقداسة والفداء لكل نفس تؤمن به. ولذلك لا عجب أن الشيطان حاول في ذلك اليوم أن يضع الرسل في السجن، لأن القيامة التي كانوا ينادون بها هي البرهان القاطع على أن المسيح قد هزمه وألغى قوة الموت. وإذ أُزيل الموت، الذي هو أجرة لخطية الإنسان، برهنت قيامة المسيح على أن الخطية قد أُزيلت.

ونحن نذكر أنه في صباح القيامة نزل ملاك ودحرج الحجر عن قبر المسيح، ولماذا؟ ليس لكي يسهّل للمسيح الخروج من القبر، حاشا. فالمسيح كان قد قام فعلاً من قبل وغادر القبر والحجر عليه. إذاً لماذا دحرج الملاك الحجر؟ لكي يمكنني أنا أن أنظر داخل القبر وأراه فارغاً، فأهتف قائلاً: هللويا؛ إن مخلصي الذي اجتاز الموت لأجل خطاياي قد خرج منه. وهكذا يمكنني أن أتحوّل عن القبر الفارغ لكي أتطلع كمؤمن إلى مجد الله، وهناك عالياً أعلى من أولئك الملائكة الذين لم يُخطئوا قط، أرى هناك "إنساناً" لأجلي. هو مخلصي الذي ذهب إلى الموت لأجل خطاياي ومات موتي، وهو الآن مُقام من الأموات وأنا مُقام معه ومقبول فيه، لذلك يمكنني الآن أن أرنم:

قامَ حقاً مَنْ قَضَىإذ بهِ الآبُ ارتَضَى
ليمينهِ ارتقىفوقَ كلِّ اسمٍ سَما

المسيح المقام والممجد

ولكن الذي وضع قليلاً عن الملائكة يسوع نراه مُكللاً بالمجد والكرامة من أجل ألم الموت لكي يذوق بنعمة الله الموت لأجل كل واحد ( عب 2: 9 )
إنني أقوم بزيارات لبيوت مختلفة وأجد في كثير من هذه البيوت صورة يحبها الناس كثيراً .. صورة الصليب وعاصفة مُخيفة تهب حوله وامرأة قديسة يبدو عليها الحزن والألم والبؤس متعلقة بالصليب، ,اليأس مطبوع على وجهها. والناس يظنون أن هذه هى المسيحية. ولكن هل هذه هى المسيحية حقاً؟ !! إنها صورة مشوّهة ناقصة للمسيحية. وربما يقول أحد القرّاء الآن: هل تستهين بالصليب؟ كلا أيها القارئ العزيز، بل إني أقول مع الرسول بولس "حاشا لي أن أفتخر إلا بصليب ربنا يسوع المسيح".

ولكن دعني أسألك: هل مثل تلك الصورة تعلمني المسيحية؟ كلا على الإطلاق. ولماذا؟ لأن حقيقة المسيحية هى أن العاصفة قد عبرت وأن المخلص اجتازها وقام منها. والإيمان يقود النفس ليس إلى أسفل صليب فارغ خالِ ولكنه يقودني إلى قدمي المخلص المرتفع حيث ليس هناك عدو أو شر. فالعاصفة قد انتهت وقوات الشر اندحرت. وبدلاً من أن تكون النفس في قلق وخوف ومرارة، تصبح مُمتلكة لسلام إلهي ثابت في يقين من الخلاص لأنه بالمسيح المُقام الذي اجتاز الموت والدينونة وهو الآن في يمين الله.

إن المسيحية تُخبرنا عن شخص مبارك غالب منتصر عن يمين الله بعد أن حطم قوة العدو، وقد رفعّه الله، ومخلصاً يعطي التوبة وغفران الخطايا لكل من يؤمنون باسمه. فالقيامة إذاً هى التي يجب أن نعرفها.

وإنني لا أستغرب ما أحدثه الشيطان من ضجة في سفر الأعمال الأصحاح الرابع عندما بشّر الرسل وعلموا الناس الحق، لأنهم بماذا بشروا؟ "في يسوع بالقيامة من الأموات" ( أع 4: 2 ). فلو كانوا قد بشروا بيسوع كمن عاش على الأرض فقط، لما اهتم الشيطان بالأمر لأنه مات. ولكن الرسل نادوا بأن الله قد أقامه من الأموات. لقد واجه الموت، ولم يكن للموت عليه حق، وأباده وهو الآن حي مُقام من الأموات بالبر عن يمين الله. وهو الحياة والبر والقداسة والفداء لكل نفس تؤمن به. ولذلك لا عجب أن الشيطان حاول في ذلك اليوم أن يضع الرسل في السجن، لأن القيامة التي كانوا يُنادون بها هى البرهان القاطع على أن المسيح قد هزمه وألغى قوة الموت. وإذ أُزيل الموت الذي هو أجرة لخطية الإنسان، برهنت قيامة المسيح على أن الخطية قد أُزيلت. 

أكمل النبوات

بعد هذا رأى يسوع أن كل شيء قد كَمَل، فلكي يتم الكتاب قال: أنا عطشان... فلما أخذ يسوع الخل قال: قد أُكمل ... ( يو 19: 28 ، 30)
لو حاول أحد أن يُخرج المسيح من الكتاب المقدس، لَمَا يبقى فيه بعد ذلك إلا طقوس عقيمة لا معنى لها. وأما النبوات العديدة التي تحدثنا عن أمل البشرية ومُشتهى كل الأمم، فكانت إذ ذاك ستشير إلى لا شيء، أو بالحري إلى شخص ليس له وجود. أما الآن فهي تشير إليه وتتحدث عنه. فلقد أتى المسيح إلى العالم، ومضى إلى الصليب، فأصبحت كل الرموز والطقوس والنبوات لها معناها المفهوم والواضح. يقول الكتاب المقدس: «شهادة يسوع هي روح النبوة» ( رؤ 19: 10 )، بمعنى أن شهادة المسيح بالنسبة للنبوة هي روحها، ولولاها لأصبحت النبوة جسدًا بلا روح. ولهذا فإن مَن يقرأ أسفار التوراة دون أن يكون نصب عينيه أنها كلها تتحدث عن المسيح، فإنه لن يفهم منها شيئًا على الإطلاق، وتصبح مجرد روايات وقصص، حتى لو كانت أحسن القصص.

حقًا ما أكثر النبوات التي قيلت عن المسيح، بدءًا من تلك التي قيلت في الجنة ( تك 3: 15 )، مرورًا بالتي قيلت قبل الناموس ( تك 22: 18 أع 8: 34 )، ثم تلك التي قيلت في الأرض أو في السبي، بجوار نهر الأردن أو نهر خابور. إن موسى وإيليا وهما فوق الجبل المقدس مع المسيح كأنهما يقولان: ”أخيرًا فهمنا ليس فقط معنى الرموز الكثيرة في الناموس، بل أيضًا إلى مَنْ كانت تُشير أقوال النبوات العديدة، عرفنا عمّن تكلَّم الأنبياء: فحقًا ليس عن أنفسهم جميعًا تكلموا، بل عن واحد آخر“ (أع8: 34).

ثم لاحظ توقيت نُطق المسيح بتلك العبارة «قد أُكمل» كما أوضحه لنا البشير يوحنا، إذ يقول: «بعد هذا رأى يسوع أن كل شيءٍ قد كَمَل، فلكي يتم الكتاب قال: أنا عطشان». لقد مرَّ المسيح بذهنه على مئات النبوات ليرى هل بقى شيء منها غير مُتمم؟ فرأى نبوة واحدة صغيرة ينبغي أن تتم قبل أن يُسلِم الروح، فلا يمكن أن تسقط كلمة واحدة، حتى لو بَدَت في نظر الناس غير مهمة. ولما شرب الخل قال «قد أُكمل» ( مز 69: 21أع 3: 18 ). فالرب ـ له المجد ـ لم ينطق بكلمة «قد أُكمل» إلا بعد أن تمم كل النبوات عن آلامه. وهكذا لم تسقط كلمة واحدة من جميع ما تكلَّم به الأنبياء بالروح القدس، بل تمت النبوات جميعها بكل دقة (أع3: 18؛ 4: 28؛ 13: 27، 29).
يوسف رياض

مغزى الصليب

فِي طَرِيقِ الْعَدْلِ أَتَمَشَّى، فِي وَسَطِ سُبُلِ الْحَقِّ، فَأُوَرِّثُ مُحِبِّيَّ رِزْقًا وَأَمْلأُ خَزَائِنَهُمْ ( أمثال 8: 20 ، 21)
إننا لو حوَّلنا الصليب إلى شيء جميل، وإلى فلسفة رائعة للمحبة والتضحية وانكسار القلب بسبب عالم لا يُبالي، وتوقفنا عند ذلك كما فعل بعض اللاهوتيين، لكان فشلنا ذريعًا في فهم معنى الصليب. ولو استطعنا أن نستعرض آلام المسيح المُبرِحة التي احتملها في جسده، وبرَعنا في ذلك حتى جرت الدموع أنهارًا مِن مآقينا، ووقفنا عند هذا الحد، لَمَا فهمنا المعنى الحقيقي لصليب ربنا المعبود.

إن معنى الصليب الحقيقي يتلخَّص في أننا كنا خُطاة، فكان للشيطان – الذي يعرف قانون الله، كما يعرف أننا خطاة نجسون – حُجة المشتكي على كل واحد منا ( مز 109: 6 ؛ زك3: 1-3). والله البار ما كان يُمكنه تجاهل تلك الشكوى الصحيحة التي تستلزم موتنا. بهذا المعنى كان للشيطان سلطان الموت أو حُجته علينا. ولكن المسيح البار ذهب ليموت مكان الخطاة، وليأخذ - نيابةً عن التائبين المؤمنين – الدينونة التي كانوا يستحقونها عدلاً.

لقد كانت المُعضلة الكُبرى هي: هل من الممكن أن يكون الله بارًا ومُخلِّصًا في الوقت نفسه ( إش 45: 21 )؟ وكان حل تلك المُعضلة الكُبرى في الصليب. فذاك المصلوب على الصليب الأوسط كان بديلنا الكريم «الذي حَمَل هو نفسه خطايانا في جسدهِ على الخشبة» ( 1بط 2: 24 )، وعلى رأسه القدوس «الرب وضعَ عليهِ إثمَ جميعنا» ( إش 53: 6 ). وبعد ساعات ثلاث مِن تعامل الله الديان مع المسيح يسوع، صرخ – تبارك اسمه – صرخة شقت الظلام: «إلهي، إلهي، لماذا تركتني؟» ( مت 27: 46 )، ولكن الصرخة ارتدَّت بلا إجابة! فذاك الذي طوال خدمته على الأرض كانت السماء مفتوحة له، أمسَت وقتها مُغلَقة في وجهه. وذاك الذي منذ الأزل وإلى الأبد «في حضن الآب» ( يو 1: 18 )، نراه الآن في مشهد الظلمة، بدون شعاع واحد من النور يصل إلى نفسه البارة ليُنعشها. لقد كان في تلك الساعات مُمثلاً للإنسان، ولهذا خاطب الله قائلاً: «إِلَهِي، إِلَهِي». ولقد صرخ «في ساعة الصلاة»؛ «الساعة التاسعة» ( أع 3: 1 ؛ مت27: 46)، لكنه لم يُسمع نداه، ولم يُسْتَجَبْ له!!

نعم، دعنا نقف بنعال مخلوعة، وننظر في خشوع إلى البديل وإلى الكُلفة. فلقد أخذ الرب يسوع مكاني، ودفع ديوني. فيا للمخلِّص! ويا لله!

اسمعوا صوتَ أنينٍصاعدٍ من قلبِهِ
وانظروا دمًا وماءًخرجا من جنبِهِ
يا تُرى ذاكَ لماذا؟هلْ لكمْ عِلمٌ بهِ

إضافة الغرباء

لتثبت المحبة الأخوية. لا تنسوا إضافة الغرباء لأن بها أضاف أُناس ملائكة وهم لا يدرون ( عب 13: 1 ،2)
هي إحدى الفضائل المسيحية الجميلة وعليها يحرضنا الكتاب باستمرار. والترحيب السخي بإخوتنا مع شمولهم بالعناية والكرم، يُعتبر مجد البيت وزهرة الحياة المسيحية العائلية؛ إنه تزيين لتعليم مخلصنا الله. ورسائل العهد الجديد التي تشرح نعمة الله العجيبة، تحرّضنا على ممارسة الضيافة كأمر حيوي من أمور المسيحية العملية.

ففي رومية12 نجد أن بين الفضائل التي يتسربل بها المؤمن في عيشته المسيحية، أن يكون عاكفاً على إضافة الغرباء ( رو 12: 13 ). وأيضاً إحدى الصفات التي يجب أن يتحلى بها الأسقف أن يكون "مُضيفاً للغرباء" (1تي 3: 2 1تي 5: 10 ). والأرملة لا تُكتب في سجل الأرامل اللواتي تعني الكنيسة بسد حاجاتهن، ما لم تكن قد "أضافت الغرباء، غسلت أرجل القديسين، ساعدت المتضايقين" ( 1كو 16: 15 ). فليس معنى الكرم أن نُظهره لمن نعرفهم ونحبهم، بل للغرباء أيضاً (3يو5). لذلك نقرأ في عبرانيين13: 2 "لا تنسوا إضافة الغرباء لأن بها أضاف أُناس ملائكة وهم لا يدرون" (قارن تك18،19). والكلمة الإنجليزية المستعملة في هذا الصدد تعني كرم الضيافة ـ البيت المفتوح للإستضافة، نظير "بيت استفاناس" الذين "رتبوا أنفسهم لخدمة القديسين" ( رو 16: 23 ). كما نقرأ في سجل الأفاضل والفضائل الذي في نهاية رسالة رومية "يسلم عليكم غايس مُضيفي ومُضيف الكنيسة كلها" (رو16: 23) وكانت إحدى صفات أيوب الجميلة أنه فتح للمسافر أبوابه وغريب لم يَبِت في الخارج.

وكرم الضيافة لا يرتبط بيسر الحال بقدر ما يرتبط بحالة قلب شبعان بالرب وفي روح المحبة يهتم بما للآخرين ويتذكر أعوازهم؛ إنه لشرف عظيم أن نشارك الله أبانا في عواطف قلبه من نحو إخوتنا.

وفي أيام لاودكية، أيام الفتور والإكتفاء الذاتي، نحتاج إلى الحرص لئلا تُصبح صفة عدم المُبالاة بإضافة الغرباء هي التي تميز بيوتنا. وكم نخسر كثيراً بسبب الأبواب المُغلقة والأحشاء المُغلقة. أين نحن من الذين كانوا يتناولون الطعام في البيوت بابتهاج وبساطة قلب ( أع 2: 46 ). كم قصَّرنا من نحو إخوتنا، وكم حُرمت بيوتنا من أفراح الشركة والولائم المُحبية والإلتقاط من كلمة الله والإنتعاش بالمحبة الأخوية. فيا ليتنا نهتم بدوام المحبة الأخوية التي تُظهر نفسها عملياً في إضافة الإخوة الغرباء.

بيت الله

فيُصادفك هناك ثلاثة رجال صاعدون إلى الله إلى بيت إيل ( 1صم 10: 3 )
«فيصادفك» أو ”ستلتقي“ (بحسب الأصل)، فحياة الإيمان ليست فيها ”الصُدفة“، وتدريبات الله هي حسب خطة مُحكمة وحكيمة، ومَن يريد النجاح الروحي، عليه أن يعي أهمية الشركة الأخوية مع باقي المؤمنين، حيث يحدث تفاعل مُنشّط للحياة الروحية، فهناك التشجيع المُتبادل، والبنيان أحدنا الآخر ( 1تس 5: 11 ). والكنيسة الأولى كانت تواظب على أربعة أمور ثمينة، من بينها الشركة ( أع 2: 42 ).

«ثلاثة رجال صاعدون إلى الله إلى بيت إيل» وهذا يذهب بفكرنا مباشرة إلى متى18: 20 «لأنه حيثما اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي (إلى اسمي) فهناك أكون في وسطهم». فيا لأهمية الاجتماع إلى اسم الرب!

إن الكنيسة بحسب فكر الله، كما نراها في سفر الأعمال وفي الرسائل، المؤمنون فيها لا يتحركون أبدًا على مبدأ الاستقلالية عن الكنائس المحلية، بل نراهم في تمام الشركة مع إخوتهم (انظر مثلاً أع20: 1- 12). وما أعظم بركات اجتماعنا إليه! إذ أن هذه الأوقات بحق هي التي تُحسب من العمر، وهي من نسمات الأبدية (مز133؛ أف4: 16؛ عب10: 24). فالرب سيُبقي لنفسه شهادة حقيقية (وليس مجرد شهود أفراد) على الأرض حتى مجيئه.

وبيت إيل في أيام الخراب ـ أيام حكم القضاة ـ كان له رجاله الذين يصعدون إليه هناك. وإن كان إهمال بيت إيل هو خطأ البعض، فإن عدم أخذ الطريق الصحيح إليه هو خطأ البعض الآخر. وكم هي دقيقة لغة الوحي حقًا! إن هؤلاء الرجال الثلاثة كانوا صاعدين، ليس إلى بيت إيل فقط، ولكن «إلى الله إلى بيت إيل». فالغرض من صعودهم هو أن يتقابلوا مع شخص وليس أن يزوروا مجرد مكان. فهم لم يصعدوا إلى المكان «بيت إيل» وكأنهم يؤدّون عملاً روتينيًا طقسيًا، لكنهم صعدوا «إلى الله إلى بيت إيل»! فالرب هو غرضهم الأول والأخير في كل شيء، وليس المكان، ولا حتى الجماعة وأحوالها، أو الخادمين وسطها.

إن الذين ينالون القوة الروحية اليوم، هم الذين يجعلون مركزهم، لا البناء المُكرَّس، ولكن الرب نفسه بحضوره في وسط اثنين أو ثلاثة يجتمعون باسمه. وعندما يكون شخص المسيح الكريم مَطلَبنا وغايتنا، فإننا معه لن يعوزنا شيء، ففيه كل ما نرجو وأكثر. 

عادة الرب يسوع

ودخل المجمع حسب عادته يوم السبت، وقام ليقرأ ( لو 4: 16 )
دخل الرب يسوع المجمع، وقرأ في إشعياء61: 1، 2 وابتدأ يشرح .. «وكان الجميع يشهدون له، ويتعجبون من كلمات النعمة الخارجة من فمه» (ع22).

كان اليهود يجتمعون في يوم السبت لقراءة "الناموس والأنبياء"، وليسمعوا «كلمة وعظ» ( أع 13: 15 ). وعندما يريدون السجود، فإنهم كانوا يذهبون إلى الهيكل، حيث أنه ـ وليس المجمع ـ كان بيت الله.

أما اليوم، فإن المسيحيين هم «هيكل الله» ( 1كو 3: 16 ) ووقتما وحيثما يُجمعون معًا إلى اسم الرب، فإنه يحضر في وسطهم ( مت 18: 20 ). فلا حاجة هنا إلى مبنى معيَّن. فالرب يسوع عاملاً في الساجدين بالروح القدس، ينشئ سجودًا للآب ( عب 2: 11 ، 12). وإذا اتّبعنا مثال المسيحيين الأوائل، فإننا نجتمع للسجود، لا في يوم السبت، بل في أول أيام الأسبوع ( أع 20: 7 ). كما نجتمع أيضًا للصلاة وللشركة وللكرازة ( أع 2: 42 ). فالمسيحيون يمكن أن يستمعوا إلى عِظة في الراديو، أو في بعض القنوات التليفزيونية، كما يحدث في الكنيسة، غير أنهم لا يمكنهم السجود بذات الطريقة، حيث أن الرب يسوع لا يكون حاضرًا بالوضع الخاص الذي يَعِد به!!

كان الرب يسوع يذهب إلى الهيكل للسجود: وكانت عادته (custom) أن يذهب إلى المجمع لسماع كلمة الله. ولكن الكلمة المُترجمة "عادته" يمكن أن تُترجم أيضًا "عادة متأصلة دائمة" (Habit) وهي توحي بمعنى أعمق من مجرد أنه كان يذهب عادة إلى المجمع، أو أنه كان يذهب إلى هناك، لو كان ليس مشغولاً بشيء أهم!

إن عادة الاجتماع مع المؤمنين للسجود والصلاة وللتعليم والتعلُّم، ينبغي أن تكون عادة متأصلة فينا، بحيث نشعر بأن شيئًا أصيلا فينا نفتقده إذا تغيبنا.

ما أحلى ساعاتٍ بهايجمعنا الروح معا
فالاجتماعُ هكذايُشبه أيام السما
ما أشهى ساعاتٍ بهانُبَكِّر بالاشتياق
يربطنا الحبُ معًاكإخوة بالاتفاق

حدث في البستان


خرج يسوع وهو عالم بكل ما يأتي عليه ( يو 18: 4 )
بعد حديثه الحلو الأخير والذي ورد في إنجيل يوحنا (من13ـ17) ذهب الرب وتلاميذه للصلاة في البستان، فالصلاة هامة، تمدنا بالقوة، وتُشعرنا بالأمان. ويظهر هنا يهوذا لأول مرة منذ أن أخذ اللقمة وخرج ليلاً ( يو 13: 30 ). جاء ومعه الجنود ليقبضوا على يسوع. ما أعمى الإنسان، إذ يبحث عن النور المُريح بالمشاعل والمصابيح، ويسوع الحب والسماح يُشهر في وجهه السلاح. أما يسوع فهو العليم بكل شيء، بما يأتي عليه، وما يأتي علينا أيضاً. ولأنه السيد دائماً يبادرهم بالقول: مَنْ تطلبون؟ أجابوه يسوع الناصري. قال لهم يسوع: أنا هو! إن إجابته أذهلتهم، فأسقطتهم، وكان من الممكن أن لا يقيمهم مرة أخرى، لكنه لم يأتِ ليهلك بل ليخلص.

أما بطرس والذي استيقظ لتوه من نومه، يفعل ما لم يُؤمر به، لأنه تهاون في ما أُمر به من سهر وصلاة، وأخرج السيف من غمده، وضرب عبد رئيس الكهنة فقطع أذنه اليُمنى.

ما أبعد الفرق بين السيف الذي استخدمه بطرس يوم البستان الحزين، وبين السيف الذي استخدمه يوم الخمسين ( أع 2: 40 ،41) الأول صوّبه لنفس واحدة يبغي قتلها، أما الثاني فقد صوّبه لثلاثة آلاف نفس نالوا الحياة، السيف الحديدي بالكاد قطع أذن عبد، أما سيف الروح الذي هو كلمة الله فقد فتح الآذان الصماء وكذا القلوب الغلفاء.

آه .. كم مرة نستخدم السيف الأول، فتتعثر النفوس ونحرمها من سماع الكلمة الحية الفعّالة.

يا ليتنا نضع السيف في غمده والجسد على صليبه، فالكأس ليست من يد ملخس، ولا من يد سيده إبليس، بل من الآب.

فيا للحقيقة!

ياربُ سُدْ أنت علىشُعُوري وعواطفي
وَلتنظرَنْ عَينِي إليْكْفي أحرجِ المواقف
ياربُّ حَوِّلْ نَظَريعن كل مَنظرٍ هُنا
فكلُّ مَنظرٍ سواكْفيهِ المرارُ والعَ

الطمأنينة المثلثة في حياة المسيح

لذلك فرح قلبي، وابتهجت روحي. جسدي أيضاً يسكن مطمئناً .... تُعرفني سبيل الحياة. أمامك شبع سرور. في يمينك نِعَم إلى الأبد ( مز 16: 9 ،11)
هناك ثلاثة مزامير تتحدث عن الطمأنينة في حياة المسيح كإنسان، وهي المزامير الرابع، والسادس عشر، والثاني والعشرون. وهذه الآيات في المزامير تلخص لنا حياة ربنا يسوع في مولده، وحياته، وموته.

(1) طمأنينة المسيح وقت طفولته ( مز 22: 9 ): "لأنك أنت جذبتني من البطن. جعلتني مطمئناً على ثديي أمي". فهيرودس، الملك الشرير والطاغية، عندما أراد أن يهلك المسيح، ربما أمكنه أن يصيب المطوَّبة مريم ويوسف النجار بالفزع، لكن من المؤكد أن المسيح كان ينعم بسلام عجيب وطمأنينة هادئة.

(2) طمأنينة المسيح في كل حياته ( مز 4: 8 ): "بسلامة أضطجع، بل أيضاً أنام، لأنك أنت يا رب منفرداً في طمأنينة تُسكنني". وربما أوضح صور طمأنينة الرب في حياته نراها في عبور المسيح بحيرة طبرية مع تلاميذه، عندما كان ـ تبارك اسمه ـ في مؤخر السفينة على وسادة نائماً. لقد انزعج التلاميذ رغم أن منهم صيادين خبيرين بالبحر، لكن أمام تلك العاصفة الشديدة اضطرب الجميع، إلا هو، الذي وبّخ تلاميذه بكل هدوء قائلاً: "ما بالكم مضطربين هكذا يا قليلي الإيمان!" ( مر 4: 37 -41).

(3) طمأنينة المسيح عند موته ودفنه ( مز 16: 9 ): "لذلك فرح قلبي وابتهجت روحي، جسدي أيضاً يسكن مطمئناً". فالمسيح كان له الثقة التامة أن الله سيُقيمه سريعاً، ولن يدع جسده يرى فساداً.

ومع أن كلام المزمور السادس عشر هو عن الموت، لكن المسيح واجه الموت بكل ثبات وثقة. إنه هنا لا يشير إلى أنه سيُقيم نفسه من الموت بلاهوته ( يوحنا 2: 19 عب 5: 7 )، بل إذ أنه هنا الإنسان المتكل والشخص التقي، فلقد كان واثقاً أن الله سيسمع لصلاته من أجل تقواه، ويُقيمه من الموت (عب5: 7). ولقد قام المسيح من الأموات في اليوم الثالث. فتمَّت كلماته "تعرّفني سبيل الحياة".

بعد ذلك نقرأ عن ارتفاع المسيح ومجده حيث يقول: "أمامك شبع سرور. في يمينك نِعم إلى الأبد" (ع11)، فالمزمور لا ينتهي بالقيامة فحسب، بل بالصعود أيضاً ( أع 2: 33 ). فالحياة في ملئها وغمرها هي هناك في قمة المجد المجيد. ويمكن القول إن أسمى قمة في سرور المسيح ليس المجد في ذاته، بل محضر الله. 

مات وقام في أسمى مقام

لأن داود يقول فيه... لأنك لن تترك نفسي في الهاوية ولا تدع قدوسك يرى فسادًا. عرفتني سُبُل الحياة وستملأني سرورًا مع وجهك ( أع 2: 25 - 28)
تحدثت نبوات العهد القديم عن قيامة المسيح. وهذه النقطة الهامة هي التي كان بطرس يؤكدها في أعمال2: 25- 28، ففي مزمور16 كتب داود نبوة عن حياة الرب وموته وقيامته وتمجيده.

أما عن حياته، فقد وصف داود ثقة الرب يسوع غير المحدودة بالآب، وتأكيده لشركته التي لا تنقطع مع أبيه. لذلك فإن قلبه، ولسانه، وجسده (أي كيانه كله) امتلأ بالسرور والرجاء ( مز 16: 8 ، 9؛ أع2: 25، 26).

أما عن موت الرب يسوع وقيامته، فقد تنبأ داود أن الله لن يترك نفسه في الهاوية، ولن يدع قدوسه يرى فسادًا ( مز 16: 10 لو 23: 43 ). أي أن نفس الرب يسوع سوف لا تُترك بعيدًا عن جسده في الهاوية، ولن يُسمح لجسده أن يتحلل في القبر. ولا ينبغي أن تُستخدم هذه الآية كبرهان على أن الرب يسوع ذهب إلى مكان سجن أرواح الموتى في أقسام الأرض السفلى في وقت موته. فعندما مات يسوع صعدت روحه إلى السماء (لو23: 43) ووُضع جسده في القبر.

أما عن قيامة الرب، فإن داود عبَّر عن ثقته بأن الله سيُعرِّفه سبيل الحياة. ففي الجزء الأول من مزمور16: 11 قال داود «تُعرفني سبيل الحياة»، وفي الجزء الأول من أعمال2: 28 اقتبس بطرس هذه الآية فقال: «عرفتني سُبُل الحياة»، وهنا غيَّر بطرس صيغة الفعل من المضارع إلى الماضي، لأن القيامة الآن أصبحت زمنًا ماضيًا وهو يكلم سامعيه.

أما عن تمجيد الرب يسوع حاليًا وصعوده إلى السماء وجلوسه عن يمين الآب، فقد قال بطرس عنه «وستملأُني سرورًا مع وجهك» ( أع 2: 28 ) أو كما قال في مزمور16: 11 «أمامك شِبع سرور. في يمينك نعمٌ إلى الأبد».

وفي أعمال2: 29 أقنع بطرس مُستمعيه أن داود لا يمكن أن يكون قد قال هذه الكلمات عن نفسه، لأن جسد داود تحلل، وقبره معروف جيدًا عند اليهود في ذلك الوقت. فعندما كتب داود مزمور16، كان يتكلم بوصفه نبيًا (أع 2: 30 ، 31). لقد تذكَّر أن الله وعده أن يُقيم شخصًا من سلالته ليجلس على عرشه إلى الأبد. وعرف داود بروح النبوة أن هذا الشخص سيكون المسيا، لذلك قال: مع أن يسوع سوف يموت، فإن نفسه سوف لا تُترك بعيدًا عن جسده في حالة الفراق عنه، كما أن جسده لن يرى فسادًا.

امتلئوا بالروح

ولا تسكروا بالخمر الذي فيه الخلاعة، بل امتلئوا بالروح ( أف 5: 18 )
كل منا، نحن الذين آمنا بإنجيل خلاصنا، قد نال عطية الروح القدس ( أف 1: 13 )، إلا أن الامتلاء بالروح مسألة أخرى، والمسؤولية فيه تقع علينا. فنجد التحريض على الامتلاء.

فالمؤمن الممتلئ بالروح مرفوع بدرجة غير عادية. إنه غير مشغول بالذات على الإطلاق، بل أصبح متمركزًا في المسيح، ونال قوة لخدمة الله تفوق أية قوة بشرية.

الشخص الذي يسكر بالخمر، يكون محمولاً خارج نفسه بطريقة شريرة تمامًا، ولكننا بالروح القدس يمكن أن نُحمل خارج أنفسنا بطريقة كلها صلاح. ولنا مثال في التلاميذ عندما امتلئوا بالروح القدس، كما ورد في سفر أعمال الرسل ( أع 2: 4 ؛ 4: 8، 41؛ 7: 55؛ 13: 9). هذه الإشارات تجعلنا ندرك أن الامتلاء بالروح كان اختبارًا استثنائيًا حتى في العصر الرسولي الأول. ومع ذلك فإنه يُطرح أمامنا بوضوح في أفسس5 كاختبار ينبغي أن يطلبه ويسعى إليه كل مؤمن. وهو ليس فقط التزام بل هو امتياز عظيم. لأنه، هل الامتلاء بروح الله القدوس أمر زهيد القيمة؟ إن معناه أن يكون لروح الله الهيمنة الكاملة. وعندما نستجيب بقلوبنا لهذا التحريض، من الطبيعي أن نسأل: ماذا أفعل لكي أمتلئ؟

هذا سؤال ليس باليسير؟ ولكن نستطيع على الأقل أن نقول إن علينا أولاً أن نزيل من الطريق كل العقبات التي تمنع حدوثه. فروح الله قدوس، وهو أيضًا حساس. ممكن بسهولة أن تحزنه بالسماح بأشياء قد لا نفعلها بضمير شرير. ممكن بسهولة أن ننشغل بأمور نرى أنه لا ضرر فيها، ولكن انشغالنا بها لا يترك مكانًا للروح ليشغله. فإذا أردنا أن نمتلئ بالروح، علينا أن ننقي حياتنا من أشياء كثيرة نسميها ”غير ضارة“ تملأ حياتنا.

أما ثمار الامتلاء بالروح فتَرِد في أفسس5: 19- 21. فالقلب يمتلئ بالفرح الذي يجد تعبيرًا روحيًا عنه في الترنيم. ويتولد في القلب قبول كل شيء بفرح حتى لو كان مُغايرًا لرغباتنا «شاكرين كل حين على كل شيء في اسم ربنا يسوع المسيح، لله والآب» (ع20). أما من جهة علاقتنا بعضنا ببعض فتحددها الآية21 «خاضعين بعضكم لبعض في خوف الله». فخضوعنا بعضنا لبعض يجب ألا يكون على حساب خضوعنا لله. 

يهوذا الذي أسلم الرب

حينئذ لما رأى يهوذا الذي أسلمه، أنه قد دين، ندم ... ثم مضى وخنق نفسه ( مت 27: 3 ،5)
واضح أن يهوذا لم يكن يعمل لإدانة المسيح وموته بالفعل لأن الرب مرة ومرات تخلص من فخاخ أعدائه. فيبدو أنه قدّر أن الفرصة سنحت له لكي يشبع جشعه وراء المكسب. والشخص الذي يضع قدمه مرة على طريق الخطية، ويسلم نفسه للشيطان، عندما يصل في انحداره إلى نهاية الطريق ويفتح عينيه على النتائج - تجده يستيقظ يقظة رهيبة - خاصة إذا كانت النتائج تزيد وتتعدى كل توقعاته.

وهكذا جاءت ندامة يهوذا على فعلته متأخرة جداً، ولم تصل إلى العُمق الكافي، كما هي الحال دائماً عندما يتملك القلب إحساس برهبة النتائج أكثر من إحساسه بالذنب نفسه.

قال يهوذا "قد أخطأت". وما أكثر المرات التي يقول فيها الفم هذه الكلمات عندما لا يكون هناك رجوع قلبي أمام الله. وفي الكتاب المقدس نجد هذه العبارة تتكرر، على الأقل، سبع مرات. ومن بين المرات السبع لا يُصادق الله إلا على اثنتين فقط ويجاوب عليهما بالغفران. هذه العبارة قالها (1) فرعون في خروج9: 27، 10: 16. وقالها (2) بلعام في عدد22: 34. وقالها (3) عاخان في يشوع7: 20. وقالها (4) شاول في 1صموئيل15: 24، 26: 21. وقالها (5) داود في 2صموئيل12: 13، 24: 10. وقالها (6) الابن الضال في لوقا15: 18. وقالها (7) يهوذا في متى27: 4.

وأنت أيها القارئ لا تَقُل باطلاً "قد أخطأت" بل بالحري دع خوف الله الحقيقي يملأ قلبك.

إن يهوذا في كل حياته كان ينقصه خوف الله الحقيقي. وحتى عند ندامته أخيراً كان ينقصه هذا الخوف التقوي بعد هذه الفعلة التعسة، رغم أنه اعترف بها "قد أخطأت إذ سلمت دماً بريئاً". وهل هذا هو كل المطلوب؟ وهل هذا هو وصف فعلته؟ ألم يكن ذاك الذي في حقه أذنب هذا الذنب البشع، يتوقع أن يسمع منه شيئاً آخر؟

لم يكن حزن يهوذا هنا هو "الحزن الذي بحسب مشيئة الله" ( 2كو 7: 10 ). كما نراه في بطرس "لأن حزن العالم ينشئ موتاً". ومضى يهوذا إلى ظلمة اليأس "انصرف ثم مضى وخنق نفسه". ويصف بطرس هذا المصير الرهيب الذي حاق بيهوذا (وبيته) عندما أشار إلى كلمات داود النبوية ( أع 1: 16 ، مز109: 6-20). 

ضمانات المستقبل

لَيْسَ لَكُمْ أَنْ تَعْرِفُوا الأَزْمِنَةَ ..الَّتِي جَعَلَهَا الآبُ فِي سُلْطَانِهِ، لَكِنَّكُمْ سَتَنَالُونَ قُوَّةً مَتَى حَلَّ الرُّوحُ .. عَلَيْكُمْ ( أعمال 1: 7 ، 8)
كلمات الآية التي في صدر المقال تُشير في الأساس إلى عدم معرفة وقت النهاية الذي تكلَّم عنه المسيح في هذه المناسبة. لكن يمكن أن نجد تطبيقًا أوسع لها، والدروس التي نتعلمها هنا لهيَ في توافق تام مع روح الكتاب في كل ما يتعلق بالمستقبل.

نتعلَّم من تعاليم العهد الجديد محدودية نتائج اهتمامنا بالمستقبل بالنظر إلى المعرفة المحدودة المُعلنة لنا عنه. كما نتعلَّم أفضل طرق العلاج من كل أنواع القلق، فرغم عدم علمنا بما هو آت، نعلَم أن كل شيء بين يدي الله الرحيمة. ونعلَم أنه مهما حملت الأيام لنا، فقدرته الإلهية تعمل لحسابنا وتكفي لكل ما يواجهنا، وتُعيننا أن نقوم بما وجَب علينا فعله.

اليد الأمينة الضامنة للمستقبل: «الأزمنة والأوقات ... جعلها الآب في سُلطانه»:

لا يلزم أن نعتمد على قُرْعَة القَدَر المجهول، ولا دوَّامة الحظ، ولا نظريات الاحتمالات، ولا نواميس الطبيعة، ولا حتى على أعمال العناية الإلهية العامة بالكون كله، بل لنضع اعتمادنا على الآب الذي يضبط كل شيء فيه بسلطانه، ويُديره لحسابنا نحن. أَ ليس إذًا طريقنا مُعدًا جيدًا؟ فمهما جاء به المستقبل سيكون تهذيبًا أبويًا، وتدريبًا طيبًا صالحًا. أبونا هو الذي يُشكِّل المستقبل ويحفظه في يديه، لماذا الانزعاج إذا؟ إن اسم ”الآب“ العظيم يُلزمه بالمعاملات الحكيمة والرحيمة، والتي هي تدعم ثقتنا واطمئناننا.

2- القوة الكافية لمواجهة المستقبل: «لكنكم ستنالون قوةً متى حلَّ عليكم الروح القدس عليكم»:

أعطى الرب هذا الوعد للتلاميذ من أجل غرض محدد، لكن هذا الوعد قد أُعطيَ لنا جميعًا في المسيح، وننتفع به إن خصصناه لأنفسنا، وبواسطته نكون مستعدين لكل المستقبل.

روح الله هو المترجم الحقيقي للمعونة الإلهية. هو الذي يُهدئ كياننا ويُنير أذهاننا لنفهم مغزى معاملات الله معنا. وهو الذي يجعل الأفراح تنتج لنا بركات أوفر، بأن يحفظنا من الانشغال المُفرَط بها في حد ذاتها.

والروح القدس هو المعزي. وهو يؤهلنا للقيام بالمسؤوليات الموضوعة علينا. لذلك تيقن أنه لن يأتيك أمر في مستقبلك الأرضي دون أن يكون الروح بنفسه عونًا لك فيه، ويستجلب لك بركة من خلاله. 

ماذا أفعل لكي أخلُص؟

.. وقال: يا سيديَّ، ماذا ينبغي أن أفعل لكي أخلُص؟ فقالا: آمن بالرب يسوع المسيح فتخلُص أنت وأهل بيتك ( أع 16: 30 ، 31)
نحن نعتقد بالطبيعة أن شعورنا بشرورنا هو الحافز لنا على إجهاد أنفسنا بطريقة أو بأخرى لكي نُخلِّص أنفسنا من هذه الشرور. وفي هذا السؤال: «ماذا ينبغي أن أفعل لكي أخلُص؟» نجد أيضًا الدليل على أن النفس تعترف بجهلها وتبدأ تأخذ مركز مَن يريد أن يتعلم بدلاً من أن تبقى مكتفية بذاتها. وفي نفس الوقت هناك تناقض كبير في ذات التعبير لأني إن كنت كغريق أستغيث طالبًا النجدة لكي يجتذبني شخص آخر واقف على الشاطئ، فحينئذٍ أنا أخلُص بواسطة ذراع الذي يجتذبني من الماء، والذي أنا أرحب وأتشبث بمساعدته التطوعية، ولا أخلُص بشيء أفعله أنا أو أقوم به بنفسي.

وماذا كان جواب بولس على صيحة السجان؟ «آمن بالرب يسوع المسيح فتخلُص». لم يرشد الرسول بولس السجان إلى الصلاة من أجل الخلاص، لأن الصرخة المُرّة التي صرخها السجان «ماذا ينبغي أن أفعل لكي أخلُص» كانت هي في الحقيقة الصلاة الوحيدة المليئة بالتعبير عن حاجة النفس إلى الخلاص.

كذلك لم يُخبره الرسول أنه بعد توبته الشاملة وإصلاح حياته، قد يرجو أن يخلص في النهاية، بل إن الرسول في الحال أشار إلى الخلاص السريع المباشر في نفس الوقت، بمجرد أن يثق ذلك الخاطئ المسكين المقتنع بحالته في المخلِّص؛ الرب يسوع المسيح. هذا إعلان مُطلق «آمن ... فتخلُص».

نعم، لقد أُقتيد لأن يعهد بأمر خلاصه بالكُلية إلى شخص آخر هو الرب يسوع. وهكذا كلَّمه بولس وسيلا بكلمة الرب هو وجميع مَنْ في بيته. وفي تلك الليلة نفسها تهلل مع جميع بيته إذ كان قد آمن بالله. لم يكن ينبغي له أن يبقى في عدم اليقين أيامًا أو أسابيع ، ولم يكن من الضروري له أن يذهب إلى هنا أو إلى هناك ليسمع مواعظ كثيرة أو محاضرات، بل بكل بساطة آمن بالله ـ أي وَثق في المخلِّص الذي أرسله الله. لقد اعتبر أن الله لا يمكن أن يقدم للعالم مخلِّصًا غير قادر أو غير كفء للخلاص الشامل السريع الكامل. أو مخلِّصًا أنجز جزءًا من العمل وترك الباقي ليفعله الخاطئ، بل آمن أن الله اختار ابنه الواحد معه في الجوهر والكمال لكي يكون مخلِّصًا، حتى يكون الخلاص كاملاً وفعّالاً، وهكذا تهلل في يقين التأكيد من أن كل شيء قد أكمله لأجله شخص آخر. 

ماذا يريد الله كفارة عن خطيتي؟

لأن الدم يكفِّر عن النفس ( لا 17: 11 )ودم يسوع المسيح ابنه يطهرنا من كل خطية ( 1يو 1: 7 )
ماذا يريد الله كفارة عن خطيتي؟

هل تستطيع الأعمال أن تأتي بفائدة؟ .. لقد عمل ربنا يسوع أعمال ذاك الذي أرسله كل مدة وجوده على الأرض. ولقد قبلت راحاب الجاسوسين بسلام ولم تهلك مع الذين لم يؤمنوا، وبذا أظهرت إيمانها بأعمالها. كما لم يتباطأ إبراهيم عندما طلب الله إسحاق منه، ولكنه احتمل امتحان إيمانه بأن قدَّم ابنه على المذبح. ولكن مع تقديرنا لهذا كله، فإن الكفارة عن الخطية لا تأتي بأي عمل من هذا النوع. وكلمة الله واضحة في هذا كل الوضوح «لأن الدم يكفِّر عن النفس» ( لا 17: 11 ).

هل الممارسات تنفع؟ .. إننا نقرأ أن أولئك الذين قبلوا الكلمة بفرح من وعظ بطرس، اعتمدوا وكسروا خبزًا (أع 2: 46 ). بولس نفسه اعتمد (أع9)، وأكل من عشاء الرب ( أع 20: 7 ). ولكن متى وأين نجد الله يُعلن أن المعمودية أو الأكل من عشاء الرب أو أي فريضة أخرى يمكن أن تُعتبر ولو للحظة واحدة كواسطة للهروب من العقاب الذي تستحقه الخطية؟

أيها القارئ العزيز، إذا كنت معتمدًا على دموعك أو أصوامك، حزنك أو صلواتك، أعمالك أو فرائضك كواسطة لخلاصك من خطاياك، أو حتى كوسيلة مساعدة على نوالك ذلك، فإنني بكل إخلاص وجدّية أنذرك، لأنك تبني على أساس من الرمال. إنك تقدم لله ما لا يمكن أن يقبله من أي خاطئ غير مخلَّص! الذي يريده الله كفارة عن الخطية هو الموت والدم، وليس أي شيء آخر من الأشياء التي ذُكرت سابقًا، مع أن لها جمالاً ولزومها في مكانها الخاص.

والآن دعني أؤكد لك أن الرب يسوع قد احتمل دينونة الخطية؛ الدينونة العادلة من الله القدوس. قد بذل حياته الغالية لأجلنا. ووجوده الآن عن يمين العظمة في الأعالي شهادة لك بأن الله قد رضيَ إلى الأبد بالكفارة التي عملها لخطايا أشرّ الخطاة. فهل تؤمن؟

ثم دعني أتوسل إليك أن تحوّل نظرك عن كل الأشياء التي كنت مستندًا عليها إلى الآن، وأن تُريح نفسك من الآن بالاستناد على الرب يسوع كالبديل الكامل عن نفسك، وكالكفارة التي قُبلت إلى الأبد عن خطيتك. ارفع بصرك إليه هناك واطمئن. اعترف به إذًا كمخلِّصك واعلم أنه لا خلاص بسواه! آمن به في قلبك، واعترف به بفمك، فتحصل على البِر والخلاص في هذه اللحظة. 

هل يُمَيِّز حياتنا الفرح؟

هذِهِ بِدَايَةُ الآيَاتِ فَعَلَهَا يَسُوعُ فِي قَانَا الجَلِيلِ وَأَظْهَرَ مَجْدَهُ فآمَنَ بِهِ تَلاَمِيذُهُ ( يوحنا 2: 11 )
كانت بداية الآيات التي فعلها يسوع في عُرس، في فرح، وفيه حوَّل الماء إلى خمر، والخمر أيضًا ترمز للفرح.

وأول آية يصنعها المسيح في حياة كل مَن يأتي إليه بالإيمان؛ أن يملأ قلبه وحياته بالأفراح.

قد محا عند الصليبْدَمُ ربي إثمي
وعن القلب الكئيبْزالَ كلُّ الهمِ

وكل مَن أتاه مضى فَرِحًا. الخصي الحبشي «مضى في طريقه فَرِحًا» ( أع 8: 39 ). وسجان فيلبي «تهلل مع جميع بيته إذ كان قد آمن بالله» ( أع 16: 34 ).

على أن الخمر فرغت سريعًا، أو أن الفرح لم يَدُم طويلاً! لماذا؟ لأن المسيح كان أحد المدعوين إلى العرس فحسبْ. فلم يكن هو رئيس المُتكأ ولا كان هو محط الأنظار. وهذا عين ما نختبره: تخلو قلوبنا من الأفراح حين تتنازع مع مكانة الرب في القلب أغراض شتى، وتخلو اجتماعاتنا من الأفراح حين لا يكون له مكان الصدارة رأسًا ورئيسًا. وحين نتلفت إلى هنا وهناك بحثًا عن غيره، فنخرج من الاجتماع دون أن نختبر فرحًا بل ربما ازددنا كَدرًا.

وتخلو بيوتنا من الأفراح حين لا يأخذ المسيح مكانه اللائق به، فتختفي من بيوتنا أصوات الترنم والهتاف.

ما الحل إذًا؟ أولاً: نأتي إليه كما جاءت إليه أُمه المطوَّبة قائلة: «ليس لهم خمر». نعترف أمامه بحاجتنا الحقيقية، وبدلاً من المُكابَرة ومحاولة اصطناع الأفراح المزيفة، نقرّ عند قدميه بأن حياتنا بدونه تخلو من الفرح بل ومن المعنى، وندعوه أن يأخذ مكانه اللائق به كصاحب العُرس.

ثانيًا: نطيعه طاعة مُطلقة «مهما قال لكم فافعلوه» حتى لو بَدَا ما يقوله غريبًا أو لا يتفق مع منطِقنا وإرادتنا، بل حتى لو كان مكلِّفًا. فإذا أشار لنا على أمر يمنع البركة في حياتنا أو خطية أو عادة أو تقصير أو عدم غفران، فإننا نتخلى عنه تمامًا. إن الطاعة الكاملة هي طريق البركة والفرح.

ثالثًا: لنقدم له ذواتنا أجرانًا فارغة لكي تمتلئ بالماء إلى فوق، وحين نمتلئ بالروح القدس، وحين تسكن فينا كلمة المسيح بغنى، تمتلئ قلوبنا بالأفراح بل تفيض أيضًا فيستقي الآخرون. 

سلوك المسيحي في العالم

جلدوهم، وأوصوهم أن لا يتكلموا باسم يسوع، ثم أطلقوهم. وأما هم... وكانوا لا يزالون كل يوم في الهيكل وفي البيوت مُعلمين ومُبشرين بيسوع المسيح ( أع 5: 40 - 42)
بينما كان المسيحيون الأوائل يتقدمون للأمام حاملين بشارة الإنجيل، كان لا يمكن تجنب اصطدامهم بمقاومة السلطات، وخاصةً القادة الدينيين الذين كان لهم في ذلك الوقت سلطات ضخمة للنظر في القضايا الخاصة بالشؤون المدنية والفصل فيها. وكان المؤمنون مستعدين لهذا وتصرفوا باتزان وحكمة. وبوجه عام كانت سياستهم هي أن يحترموا ويُطيعوا الحكام، لأنهم مُعيَّنون من الله، ولأنهم خدام الله لتشجيع الصلاح، لذلك اعتذر بولس عندما وبّخ رئيس الكهنة دون أن يعلم أنه رئيس الكهنة. واقتبس من خروج22: 28 «رئيس شعبك لا تَقُل فيه سوءًا».

ومع ذلك، فإنه عندما لا تتفق قوانين البشر مع وصايا الله، فكان عليهم أن يُرضوا الله ويتحملوا نتائج ذلك، مهما كانت هذه النتائج. فمثلاً عندما مُنع بطرس ويوحنا أن يعظا بالإنجيل أجابا: «إن كان حقًا أمام الله أن نسمع لكم أكثر من الله فاحكموا. لأننا لا يمكننا أن لا نتكلم بما رأينا وسمعنا» ( أع 4: 19 ، 20). وعندما استدعى رؤساء الكهنة بطرس وباقي الرسل واتهموهم بأنهم استمروا يُعلِّمون باسم المسيح، أجاب بطرس: «ينبغي أن يُطاع الله أكثر من الناس» ( أع 5: 29 ).

فعلى الرغم من الظلم والاضطهاد، فإنهم كانوا يتمنّون الخير لحكامهم ( أع 26: 29 ). وكان الناس يعرفون عنهم أنهم لن ينزلوا إلى مستوى أي شكل من أشكال عدم الأمانة ليحصلوا على امتيازات من السلطات . فمثلاً كان فيلكس الوالي ينتظر أن يأخذ رشوة من بولس ليُطلِق سراحه، ولكن بولس لم يفعل ذلك ( أع 24: 26 ). كذلك فإنهم لم يعتبروا استخدام حقهم كمواطنين يتعارض مع دعوتهم المسيحية ( أع 16: 37 ؛ 21: 39؛ 22: 28؛ 23: 17- 21؛ 25: 10، 11).

إلا أن الرسل لم يشتركوا هم أنفسهم في الأمور السياسية المختصة بهذا العالم. إذ من الواضح أنهم أشخاص لهم غرض وهدف واحد وهو الكرازة بإنجيل المسيح. لقد كرَّسوا أنفسهم لهذا العمل بغير أن يلهيهم عن ذلك أي شيء. كانوا يعتقدون أن الإنجيل هو الحل لمشكلات الإنسان. وكان اقتناعهم هذا قويًا حتى أنهم لم يقتنعوا بممارسة أمور ثانوية مثل الانشغال بالسياسة. 

دعوة الله للتوبة


قابلت مرة طالباً قال لي إنه من المبكر جداً أن يرجع إلى الرب، كان يريد أن يصرف وقتاً أطول ليمتع نفسه بملذات العالم، واستطرد يقول: إن اللص على الصليب قد خلص لكن بعد أن فعل كل ما أراد، ولم يتب إلا في اللحظة الأخيرة، لكن من جهتي فأنا غض.

قلت له: حسناً، فماذا تريد أن تفعل؟

قال: أن أنتظر أربعين سنة أخرى أتنعم بالحياة، ثم بعد ذلك أتوب.

قلت له: دعنا نصلي.

أجاب: كلا، لا أستطيع أن أصلي

قلت له: بل تستطيع أن تصلي وتُخبر الرب بكل ما قلته لي الآن، فهو صديق الخطاة غير التائبين نظيرك.

أجاب: كلا، لا أقدر أن أقول ذلك له.

قلت: ولِمَ لا؟

قال: لا أقدر.

أجبته: من الخير لك أن تكون صادقاً مع نفسك، ومهما كان في قلبك، تعال أخبره به وهو سيساعدك.

وأخيراً صلى الشاب، وأخبر الرب أنه لم يكن يريد أن يتوب أو يخلص، لكنه عرف أنه محتاج إلى المخلص، ثم صرخ إلى الرب طالباً معونته، وقاده الرب للتوبة وقام من الصلاة إنساناً مخلَّصاً.

في السنوات الأولى من القرن التاسع عشر، كانت تعيش في انجلترا إمرأة كان أبواها كلاهما مؤمنين، وظل أبواها سنين عديدة يطلبان لها الخلاص، كانت المرأة تنتقل من مكان إلى مكان تستمع إلى هذا الواعظ وذاك، وكانت تتردد على الكنائس والاجتماعات بحثاً عن الخلاص لكن بلا جدوى، ويوماً ما دخلت إلى اجتماع صغير وكان اليأس قد استبد بها، وأخذت مكانها في مؤخرة الاجتماع، كان المتكلم شيخاً متقدماً في الأيام، وفجأة، في منتصف العظة، توقف عن الكلام وأشار بيده إلى السيدة وهو يقول: أنتِ يا سيدتي التي تجلسين في الخلف، في استطاعتك أن تخلصي الآن، لست بحاجة أن تفعلي شيئاً. وفي الحال أضاء النور في قلبها وغمرها السلام والفرح، ورجعت، شارلوت إليوت إلى بيتها وكتبت الترنيمة المشهورة التي تقول:

كما أنا وليس لي عذر لديك ووعدك القائل أن آتي إليك إلا الدم المسفوك عني من يديك آتي أنا يا حَمَل الله الوديع

وإننا نتجاسر أن نقول اليوم لكل إنسان إنه يستطيع أن يأتي إلى الرب كما هو ويخلص. 

التواضع وبركاته

تعلموا مني، لأني وديع ومتواضع القلب، فتجدوا راحة لنفوسكم ( مت 11: 29 )
التواضع صفة أدبية رائعة، ووصية كتابية يطلبها الرب منا، لنسلك بها مع الله، ومع بعضنا البعض. فمع الله، يقول الكتاب: «قد أخبرك أيها الإنسان ما هو صالح، وماذا يطلبه منك الرب، إلا أن تصنع الحق وتحب الرحمة، وتسلك متواضعًا مع إلهك» ( مي 6: 8 ). ومع بعضنا البعض، يقول الرسول: «فأطلب إليكم ... أن تسلكوا ... بكل تواضع، ووداعة، وبطول أناة، مُحتملين بعضكم بعضًا في المحبة» ( أف 4: 1 ، 2). ويوصينا الرسول بطرس: «تسربلوا بالتواضع» ( 1بط 5: 5 ).

ودعونا ـ أيها الأحباء ـ نذكر بعض البركات التي يمتعنا الرب بها نتيجة التواضع:

1 ـ الراحة: «تعلموا مني، لأني وديع ومتواضع القلب، فتجدوا راحة لنفوسكم» ( مت 11: 29 ).

2 ـ التعزية: «الله .. يعزي المتضعين» ( 2كو 7: 6 ).

3ـ الرِفعة: «اتضعوا قدام الرب فيرفعكم» ( يع 4: 10 ).

4ـ النعمة: «يُقاوم الله المُستكبرين، وأما المتواضعون فيعطيهم نعمة» ( يع 4: 6 ).

5ـ الحكمة: «تأتي الكبرياء فيأتي الهوان، ومع المتواضعين حكمة» ( أم 11: 2 ).

6ـ التقدير: «الرب عالٍ ويرى المتواضع» ( مز 138: 6 )

7ـ السكن والإحياء: «لأنه هكذا قال العلي المرتفع، ساكن الأبد، القدوس اسمه: في الموضع المرتفع المقدس أسكن، ومع المنسحق والمتواضع الروح» ( إش 57: 15 ).

8ـ الغنى: «تواضع الروح مع الودعاء، خيرٌ من قسم الغنيمة مع المتكبرين» ( أم 16: 19 ).

الكرامة: «قبل الكرامة التواضع» ( أم 15: 33 ).

الحياة: «لأحيي روح المتواضعين» ( إش 57: 15 ).

9ـ الخلاص والإنقاذ: «إذا وضعوا تقول: رفع ويخلص المنخفض العينين» ( أي 22: 29 ).

10ـ المجد: «كبرياء الإنسان تضعه، والوضيع الروح ينال مجدًا» ( أم 28: 23 ). 

لا أنا بل المسيح

مَعَ الْمَسِيحِ صُلِبْتُ، فَأَحْيَا لاَ أَنَا، بَلِ الْمَسِيحُ يَحْيَا فِيَّ ( غلاطية 2: 20 )
«مع المسيح صُلبت، فأحيا لا أنا، بل المسيح يحيا فيَّ» .. قالها الرسول بولس وعاشها، فكان جُلّ مقصده هو مرضاة سيده ومجده، وقد برهن عن ذلك بأنه:

1- لم يُعطِ وزنًا لإمكانياته ولا لامتيازاته الشخصية: فبالإضافة لكونه مُثقفًا، وحاصلاً على الجنسية الرومانية، وكانت لديهِ مجموعة من الامتيازات الدينية، والتي تُعَدّ مدعَاة للفخر بالنسبة لأي يهودي في جيله ( في 3: 5 ، 6). لكنه لم يفتخر لا بنسبه ولا بعِلمه ولا بجنسيته، ولا حتى ببرّه أو غيرَته.

2- لم يسعَ من أجل صيت في الأوساط الروحية: ما أندر هذه النوعية! خصوصًا إن كان موهوبًا بمواهب متعددة ومُتميزة. لم يسعَ أن يزيد، بل دائمًا كان مستعدًا أن ينقص هو لكي يزيد سيده. لقد عاش هذا الخادم الأمين بالتمام لمجد سَيِّده في وقت كان الجميع يطلبون ما هو لأنفسهم لا ما هو ليسوع المسيح.

3- أعطى عمل الرب أولوية عن راحته الجسدية: تعلَّم أن ينقص وتعلَّم أن يستفضل. إن أعطاه الرب خيرًا، شكره. وإن أعوزه شيء، اكتفى بما عنده. لكنه أدرك معنى أن يُهلِك نفسه من أجل الرب بطيب خاطر. لقد حَسِبَ تعبه وكدّه امتيازًا، وإنفاق صحته من أجل سَيِّده ليس إتلافًا.

4- لم يتعطل سعيه بسبب آلامه الشخصية: كانت له آلامه الخاصة، فقد أُعطيَ شوكة في الجسد، لكن باستناده على نعمة الرب، وطاعته لمشيئته الصالحة، صارت الشوكة سبب بركة له إذ يقول: «فبكل سرور أفتخر بالحري في ضعفاتي، لكي تحلّ عليَّ قوة المسيح» ( 2كو 12: 9 ). لقد جعلته الشوكة يستند على الرب، وحفظته متضعًا، لئلا يرتفع بفرط الإعلانات.

5 – كان مستعدًا أن يضع حياته من أجل الرب طواعية: إن الاستعداد لبذل النفس هو أعمق درجات إنكار الذات. وأثمن عطاء يمكن أن يقدِّمه إنسان هو أن يُقدِّم نفسه. يقول بولس: «لست أحتسب لشيء، ولا نفسي ثمينة عندي، حتى أُتمم بفرح سعيي والخدمة التي أخذتها من الرب يسوع» ( أع 20: 24 ).

إن نلقي مِن أجلِكالتبر على الترابْ
وحِمْلُ نيركتهون معَهُ الصعاب
أ